قرار زيادة اسعار الوقود: هل يمكن تلافي الاثار الاجتماعية والاقتصادية لسياسات الاصلاح الاقتصادي
قرار زيادة اسعار الوقود: هل يمكن تلافي الاثار الاجتماعية والاقتصادية لسياسات الاصلاح الاقتصادي
امجد فريد الطيب
قرار زيادة اسعار الوقود الذي اعلنه وزيري المالية والطاقة، ليس قرارا جديدا بقدر ما هو تنفيذ تلقائي لقرار تحرير اسعار الوقود والذي ارتفع سعره في السوق العالمي. هذا الارتفاع في السعر العالمي له نسق واضح يمكن توقعه والتخطيط له خلال العام. فعلى سبيل المثال تبدأ اسعار الجازولين في الارتفاع عالميا خلال فترة الربيع بين مارس الي يونيو والتي تتم فيها عادة عمليات صيانة المصافي ومنشأت التكرير، وتقفز الي اعلى مستوياتها في الفترة بين ١ يونيو الي ١ سبتمبر بسبب ارتفاع تكلفة التكرير والتصفية خلال الصيف والذي تحتاج فيه المصافي لاستخدام مكونات تجعل الوقود اقل عرضة للتبخر بسبب الحرارة وهو ما يجعله اعلى سعرا بدلا عن المكونات الارخص سعرا ولكنها اكثر عرضة للتبخر التي يتم استخدامها خلال الفترات الباردة من السنة. وكذلك يلعب حجم الانتاج العالمي دورا اساسيا في تحديد سعر الوقود خلال العام عبر القاعدة الثابتة للعرض والطلب. منذ بداية العام، اقترحت عدة دراسات ان سعر الوقود في صيف هذا العام سيكون الاعلى منذ صيف ٢٠١٨، وستكون تكلفته الكلية خلال العام اعلى بنسبة ٨.٥٪ على الاقل بالمقارنة مع العام الماضي. وكانت وكالة معلومات الطاقة الامريكية قد اصدرت تقريرا في اكتوبر العام الماضي عن انتاج واستهلاك الكهرباء في افريقيا تناولت فيه عوامل وتأثير تغييرات الاسعار المتوقعة في الوقود خلال عام ٢٠٢١.
هذه المتغيرات تزامنت في السودان مع اجراءات الاصلاحات الاقتصادية الهيكلية وبينها قراري تحرير سعر الوقود وتوحيد سعر الصرف التي اتخذتها الحكومة. وبغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف حول هذه السياسات، الا انها لا يمكن ان تعمل لوحدها في فراغ بدون اجراءات اخرى، وعلى الاخص اجراءات انشاء وتفعيل نظم وشبكات الحماية الاجتماعية التي تهدف لتقليل الاثار المترتبة عليها. السخط الذي في الشارع الان ليس بسبب الاختلاف الايدولوجي او الفكري حول سياسات الاصلاحات الاقتصادية فحسب، ولكن اغلبه هو انعكاس لتذمر شعبي وقاعدي حقيقي من الاثار الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة لتنفيذ هذه السياسات. وعلى الحكومة ان تخاطب وتوجد حلول حقيقية لهذه الاثار اذا ارادت لسياساتها الاصلاحية والجراحية ان تستمر وتنجح في الوصول الي اهدافها الهيكلية، وهناك فرص حقيقية لذلك. ولكن ما يحدث حتى الان يكشف ازمة غياب التخطيط وحتى عدم الالتفات الي الخطط الموجودة فعلا حتى لحظة الانفجار، وهو ما يتطلب اعادة النظر في منهج محاربة الحرائق والسعي لايجاد حلول دائمة تستغل فترات الانفراج لتقليل اثار الشح في الفترات الاخرى على طريقة سيدنا يوسف مع ملك مصر.
فعلى سبيل المثال، برنامج دعم الاسر (ثمرات) والذي يعتمد على التحويل النقدي المباشر، وهو ما قد يكون له اثره البالغ على الاسر المحتاجة بتفعيله بشكل اكبر، ولكنه ايضا يفتح الباب لفرص اخرى. فهذا البرنامج يوفر احتياطي عملة صعبة للحكومة مقابل المبالغ التي يتم تحويلها بالعملة المحلية للمواطنين ويمكن استخدامها في خلق نظم حماية اجتماعية اخرى غير الدعم السلعي. يمكن مثلا دعم قطاع المواصلات والنقل (وهو القطاع الاكثر تأثرا بشكل مباشر بزيادة اسعار الوقود) بشكل مباشر عبر تحديد حافز مادي يومي لسائقي المركبات العامة الذين يلتزمون بتسعيرة محددة وعدد محدد من الخطوط خلال اليوم، او توفير صيانة حكومية دورية لهذه المركبات، او تحديد فئات محددة تتولى الحكومة دفع تكاليف مواصلاتها لاصحاب المركبات في اوقات محددة بحسب نظام تسجيل واضح. كما يمكن ايضا توفير زيادة دعم وميزانية سلعتي والذي يقوم على تقصير فاتورة الوسطاء عبر تقصير سلسلة الشراء للسلع الاستهلاكية التي تحتاج الي استيراد، وميزة هذا البرنامج انه يقوم على ميزانية دوارة تقوم بتمويل نفسها عبر بيع سلعها تغطي تكاليفها وتسمح باستمرارها وتكرار دورتها ولكنها تحتاج لتوفير التمويل الابتدائي، وهو الامر الذي يمكن تحقيقه عبر ما توفره ميزانية ثمرات. او تطوير وتحديث طريقة عمل نظام التأمين الصحي وزيادة مساحاته لتقليل كلفة العلاج وضمان الانتاجية التي توفرها صحة المواطن.
هذه الاجراءات والمقترحات كانت تحتاج من الحكومة لاستغلال فترات انخفاض اسعار النفط او توفر القمح او غيرهم من فترات الانفراج في اوضاع السلع الاستراتيجية التي تضغط على ميزانية الدولة، للتخطيط لها بغرض تنفيذها بما يقلل الاثار الاجتماعية التي تترتب على تذبذب اسعار هذه السلع عالميا في الفترات التي ترتفع فيها.
اعتقد انه من الخاطئ جدا ان تعتمد الحكومة على احتياطي العملة الصعبة الذي وفرته ثمرات كاحتياطي لتغطية عجز الميزانية او ملاحقة تثبيت سعر الصرف بدلا عن استخدامه لخلق برامج دعم اخرى غير الدعم السلعي. ما تحتاجه الحكومة الان اذا ارادت الاستمرار في الاصلاحات الاقتصادية الحالية هو التخطيط لكيفية تلافي او تقليل اثارها الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة الي الحد الاقصى. وهذا يتطلب الانتباه الي ضرورة التخطيط بشكل جاد وطويل امد يمضي بالتوازي مع حل المشاكل اليومية.
Comments
Post a Comment