رسالة الي رفاقي في تجمع المهنيين السودانيين: "المالك للشىء... مملوك له"


رسالة الي رفاقي في تجمع المهنيين السودانيين:
"المالك للشىء... مملوك له"
الحلاج

 أعزائي...
منذ تباشير بداية انتصار ثورة شعبنا الباسلة، والتي لعبتم فيها وبواسطة هذا البناء العظيم لتجمع المهنيين السودانيين دورا مقدرا، واصبتم سهما وافرا في إسقاط نظام بطش جثم على صدور السودانيين سنينا عددا حتى قطع عنهم نفس الحياة، وأودى بهم الي مشارف الهلاك، فجاءت انتفاضة شعبنا باسلة وجريئة، بعنفوان اذهل الدنيا واصبح حديث العالمين. منذ ذاك الحين طفت الي سطح الحوار العام نقاشات شتى  باسئلة كثيرة غير محسومة الرد ولا مقطوعة الإجابة، وذلك من طبيعتها ومن طبيعة الوضع الجديد الذي مرت به البلاد بعد خلع المجرم البشير، والذي ارتفعت فيه الآمال لتعانق ابراج السماء وازدادت فيه المخاوف من المجهول القادم في وضع لم يمر علينا جميعا من قبل.
وبطبيعة الحال، كانت هناك نقاشات تم حسمها واخرى حسمتها تطورات الأوضاع وتوازنات التحالف الأكبر لقوى الحرية والتغيير، ولكن ظل التجرد والحرص على المصلحة العامة ديدن مجلس التجمع في نقاشاته، وبذل الجهد والعطاء غير المحدود ديدن العمل في مكاتبه المختلفة... وظلت روح الزمالة النقابية والإخاء في الوطن تجمعنا كما جمعنا الهدف المشترك بالخلاص من حكم البشير وعصبته منذ ديسمبر الماضي.
وانا اعلم ان الأشياء ليست كما تبدو عليه، ظللت انظر مشفقا منذ ترجلي عن تمثيل النقابة في مجلس التجمع الي انفجار أزمة التجمع الحالية، والتي وصلت الي ذروتها بما حدث في صفحة التجمع يوم أمس نتيجة للتراشق الاعلامي ببيانات المواقف. هذه الازمة التي قد يبدو أن ما فجرها هو القرار رقم 20 من مسجل تنظيمات العمل والمتعلق بلجان تسيير الاتحادات المهنية، ولكنها في حقيقتها نتيجة لتراكمات مسبقة متعددة الأسباب. كان القرار رقم 20 هو فتيل الازمة لأنه خرج بالتجمع مرة أخرى من مساحته الآمنة التي يتفادى فيها نقاش الوجهات الاستراتيجية والاسئلة الكبرى ليخوض في لجة نقاش التكتيكات والخيارات المختلفة للمعارك كما كان يحدث إبان مرحلة العمل الثوري. ولكن هذا الانتقال الذي حدث فجأة بالقرار رقم 20 لم يكن تطورا موضوعيا كما لم يكن التراجع الي مساحة النقاشات العامة موضوعيا. فالاخير حدث نتيجة تمدد خطاب ونفوذ الاحزاب السياسية الشريكة في الحرية والتغيير خلال فترة تكوين الحكومة وارتفاع نبرة الحراك السياسي خلال فترة اللقاءات مع الحركة الثورية وغير ذلك مما شهدته الفترة الأخيرة التي صاحبت نهاية التفاوض مع المجلس العسكري... وكل تلك القضايا غير المتعلقة بشكل مباشر مع اهتمامات التجمع في العمل النقابي وما وضعته فيه الظروف التي مرت بالبلد ووحدت كياناته للعمل من أجل إسقاط النظام. تلك القضايا لم يكن التجمع ولا عضويته على قلب رجل واحد فيما يليها ولا تقع في دائرة اهتماماته المباشرة الأكثر الحاحا مما جعله يستسلم في خضمها لعنان الحرية والتغيير. وهو ما جعل نقاشات التجمع في تلك الفترة في إطار الروتيني اليومي والمكتبي المسطح بأكثر من نقاش القضايا. ليأتي القرار رقم 20 والذي يناقش لب اهتمامات التجمع في كيفية استعادة البناء النقابي وتكتيكاته ليفجر الأمر دون وحدة فكرية تجمع بين مكوناته وعلى أثر غياب طويل من نقاش التكتيكات والسياسات. حاول مجلس التجمع اكثر من مرة استدراك هذا الغياب فانشأ لجنة للعمل النقابي منذ مايو وأنشأ لجنة للسلام  لتعد رؤية يجتمع حولها التجمع ويتبناها وغير ذلك من القضايا التي تحتاج الي وحدة الفكر والارادة، الا انه أهمل متابعتهم ومناقشة مخرجاتهم تحت ضغط اليومي والمباشرة والملح من تطورات، وهو ما منع الوحدة الفكرية لكيانات التجمع من التخلق واصبحت المواقف حول القضايا المعنية جزرا معزولة بينها مساحة التشكك وعدم معرفة مواقف الاخر الحليف.
على صعيد اخر، ونسبة لتصدر التجمع لمسرح الحراك السياسي لفترة طويلة، انصب سخط وغضب الحانقين على مخرجات العملية السياسية بشكل مركز على تجمع المهنيين السودانيين، وعلى الشخوص البارزة فيه بطبيعة الحال، وهو ما أدى الي خلق رأي عام - بغض النظر عن صحته من عدمها- سلبي وسط فئات سياسية واجتماعية ناشطة. وبالطبع استثمرت مجموعات سياسية عديدة في تنمية هذا الرأي العام السلبي واستندت الي تباينات سابقة في الاراء والمواقف داخل التجمع لتغذيه اكثر واكثر وتدفع به ليسود في العقل السياسي الجمعي بتصوير التجمع وكأنه على حافة التشرذم والانقسام في فترات كثيرة كان فيها واقع الحال مغايرا لما هو حقيقة من عمل متناسق ومنسجم داخل التجمع. حتى أن بعض الدعابات والسخرية التي كان يتم تداولها على سبيل المزاح بين بعض أفراد المجلس، أصبح يتم ترديدها في المجال العام كحقائق ووقائع مثبتة يتم استخدامها للنيل من التجمع وتشويه صورته. هذا الرأي العام الذي أصبح واقعا انعكس داخل التجمع وجزر مواقف كياناته المعزولة، ليبني حواجزا أخرى من عدم الثقة والعدوانية المدفوعة برغبة تطهرية للتنصل عن كل ما يتم انتقاده بغض النظر عن حمل المسئولية فيه.
وبالطبع أدى ذلك الي تجاوزات مؤسسية من أطراف عدة في مواقع مختلفة من هيكلة التجمع... سكرتاريته ، المجلس ، والمكاتب التنفيذية، والتي أصبحت كلها جزر معزولة تتحرك دون الرجوع الي بعضها البعض وباءت كل المحاولات بوضع خطة عمل شاملة او نقاش تصور موحد ومواقف موحدة لتجمع المهنيين بالفشل أثر اصطدامها بحواجز عدم الثقة والسعي وراء الطهرانية المطلقة... وساهم في ذلك أيضا التنازع السياسي بين المجموعات المنتمية الي أحزاب سياسية داخل التجمع - وهو صراع متوهم أيضا غير مبني على اي عوامل او اختلافات موضوعية- فانتشرت التسريبات الكاذبة واستفشت ممارسات تشويه المواقف وذكر  أنصاف الحقائق في النقاشات التي لا تكتمل.

أعزائي...
لقد جاءت لحظة الحقيقة، وانتم تعلمون كما اعلم انه لا منتصر في هذا الصراع لو كانت نتيجته هدم المعبد على رؤوس الجميع، فاغلب هذه الصراعات مبنية على هياكل من قش عمادها سوء الفهم او قلة الخبرة او الافتراضات الذاتية المسبقة التي لا تسندها الوقائع الموضوعية أو التشكيك فيما يمكن التيقن منه. وكل هذا يحتاج لشجاعة في مواجهته داخل التجمع وفي اروقته التي تحتاج الي معالجة وليس بالتراشق الاعلامي والسعي الي طهرانية زائفة... فان معركة التغيير لم تنتهي بعد... ولا نزال نحتاج الي رماة تجمع المهنيين فوق جبل احدهم يحرسون الثورة حتى لا يكون مكسب الشعب السوداني من غنائم الثورة محض الاياب.

أعزائي في مجلس تجمع المهنيين...
"المالك للشيء مملوك له، ومن أراد الحرية فليخرج من ملكوت الرغبة"
ولسا قدامكم معارك

د. امجد فريد الطيب 

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل