كيف نتعامل مع مؤسسات حكومة الحكم المدني في الفترة الانتقالية
كيف نتعامل مع مؤسسات حكومة الحكم المدني في الفترة الانتقالية
د. امجد فريد الطيب
يستنكر البعض على تجمع المهنيين وغيره من القوى التي
شاركت في عملية الثورة دعوتها لتنظيم احتجاجات من أجل الضغط لتطبيق قرارات معينة
او طرح أعتراضها على قرارات وتوجهات أخرى. ويمضي هذا الاستنكار ليفرض صورة تماهي
كامل بين هذه القوى وبين السلطة الانتقالية باذرعها المختلفة (السيادي والتنفيذي
والمؤسسات المختلفة التابعة لها). بينما تستغل قوى أخرى لها تحفظات على مجمل
العملية السابقة هذا الاستنكار لتنسب كل القرارات او السياسات المختلف عليها الآن
الي اعتراضاتها في الماضي بمنهج (ما قلنا ليكم) دون حتى أن تنظر الي مضمونها او
الي اسباب الاعتراض الحالي ومطالبه... أما ظرفاء النادي السياسي فهم أصحاب الجائزة
الأولى على الاطلاق الذين يحاولون الابحار مع التيار النقدي أينما ذهب بينما
يشاركون في صناعة نفس القرارات التي يحتجون عليها من خلف ستار... فهم لا ينظرون
إلي ما يحدث الان او عواقبه بل ينظرون الي صندوق اقتراع يأتي بعد ثلاثة أعوام...
وهذا من حقهم بالطبع ولكن العمل من أجله يأتي عبر الطرح الموضوعي للبرامج والروى
السياسية والدفاع عنها والسعي للاقناع بها وليس عبر التهريج.
هذا الاستنكار والذي يأخذ في كثير من الأحيان شكل
السخرية المحببة وسريعة الانتشار هو في حقيقته من بقايا إرث الشمولية الطويلة التي
تفترض ان موقفك من السلطة هو موقف كلي وشامل ومطلق. تعارضها فأنت تعارضها إذن
بخيرها وشرها وتساندها فليس لك من ملجأ غير منهج (سير سير يا بشير) لتبصم على كل
ما يرد منها.
في تقديري ان دور بل هو واجب التنظيمات المدنية النقابية والسياسية
في المرحلة الانتقالية هو في استمرار التعبير عن اراءها ومواقفها السياسية ودعمها
وتنظيم الجماهير الداعمة لها حولها... وهو الامرالذي يتطلب قدرا كافيا من الجهد
لنشر الوعي حول عملية صناعة الديمقراطية حتى لا تتحول هذه المطالب الي محض شعارات
شعبوية عالية الصوت ولكنها خاوية المضمون. تجمع المهنيين والقوى السياسية التي
شاركت في عملية الثورة ليسوا السلطة ولا ينبغي لهم ان يكونوا... هذه القوى اتفقت
على تكوين حكومة انتقالية لمرحلة انتقال التركيز فيها على مهام الإصلاح المؤسسي
للدولة ليس على الحكم. وتجمع المهنيين تحالف نقابي أقرب لمزاج الجماهير منه الي
توجهات السلطة، وادواته لطرح مطالبه وقضاياه وفرضها على السلطة هي أدوات العمل
السلمي الجماهيري التي خاض بها شعب السودان معركته ضد نظام القمع السابق. هذه
الأدوات متاحة للجميع ولجموع المستنكرين بدلا تكسير مجاديف الآخرين كامل الحق في
استعمالها للانتصار لاراءهم السياسية بدلا عن منهج التشويه المعتمد والتشويش
المستمر الذي يهدف لتغبيش الرأي العام وتحويل احد أعظم أدوات الثورة والتي هي
التجمع وسلاح التنظيم الي عدو شعبي. ذلك أن تشويه التجمع وتكسيره حتى وان نجح لن
ينتصر لمنهجك او طرحك السياسي... ذلك لن يحدث الا عبر عملك المستقل والتواصل مع
الجماهير لكسب القبول الجماهيري له في ذاته وفي متنه وليس عبر تكسير الاخر.
المعارضة السلمية وطرح المطالب والضغط الجماهيري على الحكومة
واذرعها المختلفة لتحقيقها هي شكل للممارسة الديمقراطية والتي ينبغي ان ندرب
انفسنا عليها في الفترة القادمة.
من ناحية آخرى... بعض المستنكرين والمعترضين على هذه
الاحتجاجات ناقمون عليها كونها خرجت من بعض مكونات تحالف الحرية والتغيير لأنهم
يستبطنون تحويل تحالف قوى الحرية والتغيير الي شيء اشبه بحزب حاكم. يطرح مطالبه
وسياساته ويفرضها على الحكومة من وراء ابواب مغلقة في غرف مغلقة وتنصاع له الحكومة
ليس لصحة المطالب ولا لأنها مدعومة بالجماهير ... ولكن لأنها جاءت من تحالف الحرية
والتغيير. هذا الأمر لا يمكن وصفه بغير انه انتهازية ما بعدها انتهازية. هذه الحكومة
باذرعها المختلفة مستقلة وينبغي الحفاظ على استقلاليتها ومساحة حركتها في التخطيط
والتنفيذ. والضغط عليها لتنفيذ مطالب سياسية ينبغي أن يكون عبر أدوات العمل
الجماهيري المتاحة للجميع وليس بخلق أجسام وهياكل فوق الدولة مثل مجالس آيات الله
الخمينية تدير البلاد من وراء حجاب. إن مبادئ مثل المشاركة الشعبية واستقلالية
مؤسسات الدولة المدنية ليس اقمصة عثمان يتم استعمالها حسب الضرورة بل هي قيم تترجم
بالتطبيق العملي في الالتزام بها. هذه الثورة بدأت في الانتصار وأتت بهذه الحكومة
عندما زادت رقعة المشاركة الشعبية في العملية السياسية وتحولت الوقفات الي مظاهرات
والمظاهرات الي مواكب والمواكب الي مليونيات واعتصام شامخ مهيب. بل ان حتى الاتفاق
السياسي الذي مهد لبداية الفترة الانتقالية لم يكن التوصل اليه ممكنا لولا مواكب
30 يونيو 2019 المجيدة والتي جاءت بعد مجزرة فض الاعتصام لترفع شعار (جيبو حكومة
الحكم المدني) وقالت بشكل واضح وجلي ان السلطة كل السلطة في السودان هي في يد
جماهير الشعب السوداني. إن الدعم السياسي من قبل قوى اعلان الحرية والتغيير
للحكومة في الفترة الانتقالية ينبغي أن يأخذ شكله السياسي الموضوعي باصحاح الجو
السياسي وعلاج مشاكل الممارسة السياسية وعلاج الخطاب السياسي بانتشاله من وهدة
العبث التهريجي الي ضفة المسئولية والموضوعية ويحدث ذلك عبر توسيع قاعدة المشاركة
الشعبية وتداول الاطروحات السياسية بشكل صحي وديمقراطي وليس عبر الضغط غير المؤسسي
على ما نريد بناءه من دولة مؤسسات.
Comments
Post a Comment