ما يحدث في السودان

 

الازمة الاقتصادية مهما تفاقمت واشتدت لن تؤدي الي ثورة تغيير دون انجاز واجبات العمل السياسي. ما قد يحدث جراء خطاب الدعوات المجانية للتظاهر والحراك بدون الاستعداد لها هو دفع البلاد باتجاه هاوية خطيرة من العنف والقتل المجاني على يد المليشيات التي تملأ العاصمة والمدن. سيقول قائل ان هذه المليشيات مارست العنف لسنوات طويلة في أطراف البلاد المختلفة وهذا الصحيح، ولكنه ليس مبررا على الاطلاق لاتاحة الفرصة لها لارتكاب مجازر جديدة. 

واجبات العمل السياسي الجماهيري، لا يمكن إنجازها بين يوم وليلة ولا على طريقة دفن الليل اب كراعا برا. ويجب ان نتعلم من اخطائنا السابقة، فمهما كان مقدار الشجاعة والنبل وبريق المجد الذي احاط بما حدث جراءها من ثورات مجهضة، فان الثمن كان باهظا بما لا يقاس. 

المعارضة السياسية في السودان تدفع الان ويجب ان تدفع ثمن تقاعسها عن اداء واجبات كثيرة في ميقاتها الصحيحة، وثمن ترفعها عن خوض المعارك الصغيرة للارتباط بالجماهير وخلق تراكم يسمح لها بالقفز الي معركة كبرى في ميقات ملائم مثل هذا الميقات. عجزنا ليس في العامل الموضوعي، بل في العامل الذاتي. هناك ازمة ينبغي ان تلتفت اليها قوى المعارضة الان وتشرع في حلها، ازمة في التواصل بين القوى السياسية وبين غمار الناس، يجب ان تعمل المعارضة على خلق قيادات حركية بين الناس العاديين ليعملوا كحركة وصل عضوية فيما بينهم وبين الخطاب السياسي العام، وهناك ازمة اخرى في العلاقة بين القوى السياسية وبعضها البعض، وازمة ثالثة في ادوات التنظيم وهياكله ومستويات انتشاره. ومدى التنظيم المتوفر والمطلوب في المستويات التي يحتاجها سيناريو التغيير عبر العمل الجماهيري الاحتجاجي. وهناك ازمة اخرى وهي كبرى الأثافي في تحليل المعارضة لطبيعة النظام والقوى المؤثرة فيها والتي تحركه... سواء ان كانت أيدولوجية إسلامية ام عسكرتاريا ام مجموعات فساد ومستفيدين (كليبتوقراطية)، ام مزيج من كل ذلك ام انها ديكتاتورية رجل واحد اصبح الجميع يتصارعون على من يتقرب منه... وكذلك المعارضة بحوجة لمعرفة وتحليل مدى التغيير الاجتماعي الذي احدثته سنين هذا النظام في المجتمع السوداني لتفكر في خياراتها العملية والعملياتية قبل ان تقفز في الظلام.

 لا احد يمكنه ان يجزم بإجابة قاطعة وحده... فهذا يتطلب تضافر عقول المعارضة وتبادلها للآراء والمعلومات (وتحصلها على المعلومات الحقيقية في المقام الاول وهذه ازمة اخرى تفشل فيها المعارضة بركونها الي التحليل الرغبوي وخطاب الأماني لتطمين الذات). وهذه الواجبات او التحديات لا يجب ان تؤخذ على انها ترف فكري او سياسي، بل هي ضرورية ولازمة لنجاح اَي تحرك تعقد عليه المعارضة العزم سواء ان كان سياسيا او جماهيريا. وهو ضروري ايضا لتقليل كلفة الدم السوداني الذي سيراق مجانا في حالة القفز الي مغامرة مواجهة غير متحسبة لمواطن الضعف الذاتية... 

وليحفظ الله السودان وأهل السودان

Comments

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل