في ذكرى الدم المسفوك غيلة، محمد عبدالسلام... عليك السلام

مقال قديم بتاريخ أكتوبر ٢٠٠٨، الا انه يزال صالحا للطرق والتداول والتذكير حتى شروق راية العدالة يوما ما على ارض السودان 

ما بين سبارتاكوس وكراكوس
محمد عبد السلام : الشوك فوق جبينك المصقول بالدم و الندى اكليل غار
و صوت يصيح بنا حذار

أمجد فريد الطيب 
أكتوبر ٢٠٠٨ 


كتــاب التاريخ المأجورين 
نسجوا – بدلاً عن الياذة هوميريوس – 
كتباً و احاجي مكذوبة عن جيش سبارتاكوس... 
و لم يحكو عن اماله حتى كلمة 
و لم تدمع اعين كتاب التاريخ المأجورين 
و صناع اناشيدك يا روما الرسمية 
لمن تركو الروح بانبل امال ... عرفتها البشرية 
***
كانت روما المجلس و المعبد و القادة... 
تبحث عن سر جبار ...
سر مجهول ...
يبقي الزنبقة الحمراء لا تذبل في قلب الانسان الانسان 
عن سر الايمان الخالد بالشعب و بالحرية 
عن سر رجل يهمس لرفاقه من فوق الصلبان:
قسماً سنواصل
و المجد لشعب السودان
***
و مهما ذكر التاريخ الرسمي كراكوس 
سيظل يذكره الانسان 
كسفاح مجرم دموي 
حتى لو نصبه الرومان الها...
او نال جميع الاصوات 
و عين في زمن السفاحين ... معتمدا 
حتى لو قامت من اجله في روما الصلوات 
او غطوا عاهته بالاكليل الاعلى 
او حشدوا الشعب ليفرش بالورد
طريق كراكوس 
و يهتف "عاش كراكوس" 
مجبوراً أن يهتف عاش 
لكن الحقد الساطع 
من قلبه،
من روحه،
ينزف 
و جروح الذل تمزق اعماقه 
و كل كيانه يهمس غضباً 
لكن اعلى من كل الصيحات: 
"لا .. لا ..
بل انت تعيش سبارتاكوس". 
___
(بتصرف عن رفيق سراج )

في أمسية الثلاثاء الرابع من اغسطس لعام 1998، اي قبل ما يزيد قليلاً على العشرة اعوام من يومنا هذا، أوى الطالب بالمستوى الاخير لكلية القانون بجامعة الخرطوم: محمد عبد السلام بابكر الي سريره بسطح (داخلية المناهل بمجمع وسط) ينشد بعض من نسيم سماوءات الخرطوم، تعينه على نوم بضع ساعات يستعين بها على مغالبة بداية عامه الدراسي الاخير في جامعة الخرطوم و رهق مغالبة الصندوق لانتزاع مرتبة و (لمبة نايلون).

و في فجر الاربعاء الخامس من اغسطس أمسى محمد عبد السلام جثماناً محمولاً على عربة اسعاف تطوي الطريق مسرعة نحو ود مدني، تستر بداخلها اثار تعذيب همجي و تشوهات غائرة بدماء متخثرة على جسد محمد. 

كان هذا الانتقال الفاجع من كف الحياة الي كف المنون بعد اختطاف محمد عبد السلام من سطح داخليته، بعد هجوم نفذته قوات نظامية يصاحبها و يدلها ثلة جماعة ملثمة من طلاب الاتجاه الاسلامي. و كان تعمد فرقة الموت الموتورة اصطحاب محمد عبد السلام بابكر - الذي انتمى مبكراً في سنين دراسته الي تنظيم الجبهة الديمقراطية للطلاب السودانيين الذي يرفع رايته وشعاره ( دفاعاً عن حقوق الطلاب)- اخر ما اتانا من سيرته الزاكية في هذه الحياة التي اختار فيها على قصرها، طريق الدفاع عن الحقوق و القتال لاستردادها و مشى فيه حتى نهاياته الدامية في زمن السفاحين .

و على اثر تلك الاحداث الدامية تم تقديم من عريضة لفتح بلاغ جنائي بالرقم 1943/98 توجه فيها الاتهام الي (عمار باشري الطالب بذاك الحين و اخرين)، بعد أن تعرف الكثيرون ممن شهدوا تلك الاحداث الدامية الي عرجته المميزة لمشيه. و اصدر السيد وزير العدل قراره بتشكيل لجنة تحقيق فيما حدث بتاريخ 12 اغسطس ١٩٩٨. كان ذلك اخر ما صدر من الجهات الرسمية عن قضية مقتل الطالب الجامعي السوداني محمد عبد السلام بابكر. فلم نرى للجنة التحقيق هذه من تقرير خارج الي النور و لم يبارح البلاغ الموجه ضد المتهمين مكانه في اضابير المكاتب العدلية. و يا لها من عدالة.

و الشاهد ان الاستجداء المتكرر لهيئة الاتهام لم ينقطع في مكاتبات متكررة لوزارة العدل لاستعجال او تحريك البلاغ الموجه تحت المادة 130 من القانون الجنائي (القتل العمد).

اخر ما ورد فيه اسم عمار باشري بخصوص الشأن العام حتى اكتوبر الحالي كان ورود اسمه في البيان الذي صدر بعد حريق الجامعة الاهلية عن مجلس امناء الجامعة بتاريخ 16يونيو 2005. حيث جاء اسمه ضمن مسئوليي العمل الطلابي لحزب الموتمر الوطني، الذين اجتمعوا مع ادارة الجامعة الاهلية مطالبين بتأجيل انتخابات اتحادها و الا فانهم لا يستطيعون ضمان تصرفات طلابهم. (أمك!!! الرجل فتوة محترف إذن و الذي يبدو ان عدم استجابة الادارة لمطالبهم هذه ادى الي الحريق الذي التهم مباني الجامعة في اليوم التالي. 

المهم أن هذه الواقعة و هذا البيان و لعمر الحق يضيف الي مناصب عمار التي علمنا تقلده بها كفاحا في بلاط الجلاد، منصباً جديداً. فهو كان قد تقلد بعد تخرجه رئاسة اتحاد طلاب ولاية الخرطوم وادارة المركز القومي لتدريب الشباب والطلاب، بالاضافة الي تقلده حتى اكتوبر ربنا هذا منصب المدير العام للمركز الوطني لتدريب الشباب ( و هو مؤسسة تدريبية خاصة لها شخصيتها الاعتبارية , وصفتها القانونية . تعنى بالتدريب القيادي و تزويد الكادر ببعض القدرات والمهارات المعينة لاداء دوره بكل فاعلية كما ورد في تعريفها بصفحتها الالكترونية. و بالطبع يعنينا أن نتساءل عن تلك القدرات و المهارات المعينة و الدور القيادي الذي يشرف على الاعداد له كادر عنف وتهديد محترف، متهم بجريمة قتل لم يتم الفصل فيها حتى اليوم) فهو ايضاً - و يا للفخار- مسئول للعمل الطلابي بالمؤتمر الوطني. 

كل ما سبق كان حتى ١٥ اكتوبر ٢٠٠٨، الذي اتت فيه صحيفة الانتباهة تحمل البشارة بقرار التكليف الذي لحق بعمار وهو في العاصمة الانجليزية لندن. يشرف على تدريب عدد من شباب المؤتمر الوطني حسب الصحيفة، او عدد من الشباب (ساي) على حسب ادارة المركز، الذين دأب المركز على ابتعاثهم سنوياً الي المملكة المتحدة للتدريب. و ذكر المركز ايضاً ان عماراً إلتقى في زيارته بعدد من مدراء المراكز التدريبية وبعض الجامعات المتخصصة في التدريب. و عليه يحق لنا أن نسأل ان كان ضمن هذا العدد من الأكاديميين الذي تشرفوا بلقيا عمار عبدالرحمن باشري من هو متهم امام القضاء في قضية لم يتم الحكم فيها بعد، و ان كانت تلك القضية المرفوعة امام المحاكم تتعلق بجرم القتل العمد او حتى الخطأ.

المهم أن جريدة الانتباهة في عددها المذكور تحكي "كيف فاجأ قرار الوالي بتعيين السيد عمار عبد الرحمن علي باشري، معتمداً لمحلية الدامر. شباب وطلاب الوطني الذين دفعوا في المدة الأخيرة بعدد من وجوههم القيادية لتولي مواقع تنفيذية بالولايات" . ( وزي تقول ياداب عرفت الاندهاش) ليس بوسعنا و قد اعتدنا المفاجأات من نظام الانقاذ غير أن نشاركهم هذه الدهشة. و ليس مبعث دهشتنا بالطبع ( و ان كنا نتساءل عن اسباب دهشتهم و التي ربما تكون علمهم ببواطن امور لا نعلمها) تعيين عمار في هذا الموقع فهو كان و لا يزال (القوي) على أمن النظام و( الامين) لمصالحه و تلك صفات توهله بكل جدارة ليتبوأ اعلى المناصب في ظل حكومة (الوحدة الوطنية) الحالية .انما مبعث دهشتنا هو التساؤل عن الذي حدث في البلاغ رقم 1943/98 المدون في أضابير الأروقة العدلية لجهاز الدولة السودانية !!!...

وربما يحق لنا التساؤل ايضا عما اذا كان بين كل تلك المناصب الرفيعة التي تقلد عمار شأن ادارتها و الاشراف عليها منصباً يمنحه حصانة او حماية من نوع خاص من المساءلة الجنائية او حتى مجرد التحقيق القضائي!!!

او فلنسأل عمار نفسه و هو يتولى منصب الاشراف على مواطني محلية الدامر عن مبلغ حرصه على تبرئة اسمه من جرم القتل العمد الذي اتهم به في حيثيات البلاغ رقم 1943/98 ان كان بريئاً بالفعل!!!

ان كل المتابعين لملف هذه القضية و كل المنادين بالعدالة و السلام الاجتماعي لا يملكون غير ان يتوجهوا مرة اخرى الي الجهات العدلية و الي ضمائر الجالسين على وثير مكاتبها بالسؤال عن ما الذي حدث في ملف هذه القضية ، فاغتيال محمد عبد السلام بابكر له وقائعه المتوفرة والمعلومة واجراءاته المدونة، اما الغموض الذي يحيك بستره حول مصير القضية فما هو ضباب كاذب خداع يحاول ان يستتر به من تدفعه دوافع اخرى ليس من بينها العدالة ولا احقاق الحق. 

محمد عبد السلام ... عليك السلام فدمـك سيبقى راية للعدل.

Comments

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل