سبتمبر ... وجالوت عصرنا
"يا صاحي قبل الطير
والدنيا شتوية
أولى انتا بي بلدك .. من الحرامية"
قبل عامين...
وفي مثل يوم ربنا هذا ٢٢ سبتمبر.
كشف البشير عن مدى تخبطه وحيرته، في خطاب مشهود عن متاهة الموت والفقر والدمار التي ساقنا فيها على امتداد سني حكمه لبلادنا منذ ان سطا وعصبته على السلطة.
ابتدر الجنرال الحائر كلامه بالمن على الشعب السوداني "ببيتزا" عصره و"هوت دوقها" .. و تلا على اثره حزمة إجراءات اقتصادية مختومة ببصمة البنك الدولي وخبرائه المتأنقين، ملخصها تقنين السرقة المعلنة المستمرة لربع قرن من الزمان وزيادة ريع النهب الحكومي عبر خديعة رفع الدعم.
و انطلق الناس في الشارع...
رافضين ...
انتفض الناس لكرامتهم وحقهم في الحياة والعيش الكريم... انتفضوا لحقهم في بلادهم... مستلهمين شعارهم الوطني ... هذه الارض لنا ...
كان الناس اسوداً في الشارع ...
والجنرال الحائر ... لم يكن سوى قنفذ مذعور يبحث عن جحر بين جدران متاهته ليختبئ فيه.
لم يهنأ الجنرال الحائر في ليلته تلك، التي غنى فيها لليلى البنك الدولي ووصفاته السحرية القاتلة ...
لم يتركه شباب مدني السني البواسل، ينام ليحلم بعدن الرأسمالية الموعودة وتين وزيتون رفع الدعم المرتجّين.
انطلقوا شاهرين هتافهم الباسل (ابينا) فور انتهاء خطابه ... نجومٌ تشع بسالة وفداء لشعبهم في شوارع مدني السني وسماؤاتها.
وكان ان سقط منهم في الليلة الاولى ستة شهداء ... انضموا في موكب مهيب يليق بعظمة شعبهم، الي ركب شهيد مدني الاول في ابريل طه يوسف عبيد ... وهو يخرج من النهر. غاسلين بدمائهم عن جلابية شعبنا البيضاء أدران الطغيان وعفن السلطة.
كانت ليلة ٢٢ سبتمبر ٢٠١٣، احد ايام شعبنا المجيدة التي انطلق بعدها السودانيون في نيالا والخرطوم وعطبرة وأم درمان وفي كل حواري السودان وقراه ومدنه ... هتافا واحداً، يمد كفه ليهزم دولة الطغيان.
كان شباب شعبنا .. يحملون مقلاع أملهم ويرمون جَالُوت وجنوده بحجارة من سجيل غضبهم، منتصرين لِغَد أفضل، مدفوعين بسعيهم لوطن حر وشعب سعيد سمته ان يرفض الانكسار ويترفع على الدنية ولو كان ثمن ذاك الموت، الا فئة صغيرة قعدت بقصير نفسها ودناءتها وأنانيتها انطلقت تخذلهم: ما لنا طاقة اليوم بجالوت وجنوده.
وما خيب جَالُوت الظن بطغيانه، فجمع جنوده مطلقا لهم الامر باستخدام الخطة (ب).
جاء بمليشياته ووحوشه من كل فج بعيد ...
وزع عليهم رصاصات حقده الدموي وملأ بهم (العربات المجهولة عديمة اللوحات) مصدرا لهم الامر ... Shoot to kill.
فحصدت رصاصات الحقد مما تم عده رسميا مئتين من الشهداء .. وشهداء اخرين كثر ... ذهلت عن تعدادهم قوائم الرصد والمتابعة في خضم ذاك الطوفان من الجثث والدماء.
توزع الشهداء نياشين صدق وبسالة على جبة سبتمبر ...
بين طفل في زيه المدرسي، "عايز يمشي مدرسته.. زي كل ولاد الناس.. مرفوع وعالي الرأس ومكتوب على الكراس .. اسمو وغنا ورسمو" فكان مصيره، جثة هامدة، مرمية في خور مهجور،مجهولة الهوية، يجتهد الأحياء لتمييزها، اثر رصاصة مأجورة اختاروا لها عن قصد رأسه المرفوع العالي.
وبين شابة في غض ربيعها .. سليلة بيوت صدق وكرامة .. ومن صلب قبائل عهدها ان تقول لا، وتختار في الحق الجحيم... فالقمت عصابات الجنرال هتافها برصاصة في الصدر ... واهمين انها تطفئ جذوة الغضب الجسورة وتسكنها عن صرخة الحق.
وشاب غض الإهاب ... لم يكف عن تلوين الدنيا بألوان حلمه الخضراء ... لم يجف حبر ريشته بعد على لوحته الاخيرة .. فابت يد الطغيان الا ان تلوث معطفه باحمر دمائه ليرسم بها اللوحة
وشيخ جليل ... لم تقعده سنه ولا سابق جراحه في منازلة الشموليات من الهتاف .. خبزا وكرامة لابناء شعبنا... فما تركت جسده مليشيات الجنرال ، الا وكسرت سهم حقدها على جسده المملوء من سهام معارك سابقة ... داوودي الحكمة في صلاح عمله.
وغيرهم وغيرهم ... ممن مضى به سبتمبر ٢٠١٣، الذي لم يترك بيت سودانيا الا وقد اصابه في مقتل من فقد عزيز وجرح لن يندمل.
أخذ الشهداء أكفانهم متدافعين الي علياء مجدهم، وتركوا لنا نحن الأحياء خيبات الهزيمة ومرارات الخذلان.
ولكن ..
ما كان سبتمبر اول هبات شعبنا في وجه الجنرال الحائر ولن يكون اخرها. ما كان سبتمبر الا اوسط العقد في سلسل الماس الذي يرصع به شعبنا طريقه الطويل نحو الحرية. ولابد لليل الخرطوم ان ينجلي ولو طال الزمن.
حباً وكرامة ... خلداً ومجداً وأمانا .. عليكم شهداء سبتمبر .. طبتم في علياءكم وطابت تضحياتكم نبراسا في كل طريق.
Comments
Post a Comment