دعوة للعمل المبكر من اجل توفير لقاح الملاريا لاطفال السودان

دعوة للعمل المبكر من اجل توفير لقاح الملاريا لاطفال السودان


د. أمجد فريد الطيب

 

الخريطة المرفقة توضح توزيع خطر الاصابة بالملاريا في السودان



بالرغم من كل الصراع السياسي الذي يجري حاليا، وعلى اهميته، فان هناك موضوع يتطلب الانتباه ويفوق السياسة في الاهمية والاولوية على المدى الطويل. وهو موضوع تحضيرات واستعداد وزارة الصحة لادراج لقاح RTS,S/AS01 المضاد للملاريا، ضمن برنامج التطعيم الروتيني للاطفال في السودان

الملاريا في السودان لا تزال احد اكبر المهددات الصحية، ويعتبر السودان اكثر الدول الموبؤة بالملاريا في منطقة شرق المتوسط بتسجيل نسبة ٤٦٪ من الحالات في كل المنطقة. وهي اكثر الامراض المطلوب مسحها وتسجيلها انتشارا في السودان. حيث يسجل السودان سنويا حوالي ٢ مليون حالة الملاريا بحسب احصاء ٢٠١٩. وفي الاعوام ٢٠١٩ - ٢٠٢٠، تجاوز عدد حالات الاصابة بالملاريا المستوى اللازم لوصفها بالانتشار الوبائي. وقد اورد تقرير الملاريا العالمي ان السودان سجل زيادة في خطر الاصابة بالملاريا بنسبة اكثر من ٤٠٪ في ٢٠٢٠ بالمقارنة مع ٢٠١٥

كذلك تعتبر الملاريا القاتل الاول للسودانيين داخل النظام الصحي، باعتبارها تتسبب في ٩٪ من حالات الموت في المستشفيات، وهي ايضا على رأس اسباب دخول المستشفيات بنسبة ١٢٪ من كافة اسباب الادخال الي المستشفيات.  

بالنسبة للاطفال حول العالم فان الملاريا تقتل طفل واحد تحت سن الخامسة على الاقل كل دقيقتين. وبالطبع فان للسودان نصيب مقدر من هذه النسبة، خصوصا عندما ما نعلم ان خطر الاصابة بالملاريا لدى الاطفال يتضاعف ثلاثة مرات مقارنة بالبالغين

من الاستعراض السابق نرى ان الملاريا لها اثر كبير على صحة المواطنين وعلى النظام الصحي، وذلك غير اثرها الاقتصادي الكبير بضياع ساعات العمل نتيجة للمرض او ضياع القوة العاملة نتيجة للوفاة.

الشاهد ان الاعلان التاريخي الذي اصدرته منظمة الصحة العالمية في ٦ اكتوبر الماضي باعتماد لقاح RTS,S/AS01 المضاد للملاريا وادراجه ضمن اللقاحات المعتمدة لتطعيم الاطفال، يشكل امل جديد للحرب ضد الملاريا. اللقاح لديه فعالية ٧٧٪ للوقاية من الملاريا وتزيد هذه النسبة الي اكثر من ٩٠٪ عند اضافة استعمال الناموسيات المعالجة بالمبيدات، واثبت اللقاح ايضا فعالية اكثر ٣٠٪ في منع حالات الملاريا الحادة القاتلة، ولم يسجل اللقاح اي اثار جانبية سلبية و تم اثبات انه يتمتع بمواصفات أمان قياسية مواتية بحسب الدراسات التي امتدت لقرابة العقد من الزمان. وحسب توصية منظمة الصحة الدولية الصادرة في اكتوبر فان الخطة هي اعطاء اللقاح للاطفال في اربعة جرعات في سن خمسة وستة وسبعة أشهر، ثم جرعة معززة أخيرة عندما يبلغ الطفل حوالي 18 شهرا. ويجري التخطيط حاليا لامداد العالم باللقاح عبر التحالف العالمي للقاحات (GAVI) وادراجه في خطط التطعيم الروتيني للاطفال. والتزمت شركة GSK بتوفير ١٥ مليون جرعة في السنة ولكن اذا تم توفير التمويل فيمكن أن يبدأوا في إتاحتها للاستخدام على نطاق أوسع. هذا الرقم لن يكون قريبا من الكفاية، فحسب التقديرات  نهاية العقد، قد تكون هناك حاجة إلى ما يصل إلى 100 مليون جرعة كل عام.


بالطبع فان السودان هو من الدول الموهلة بشدة في اولوية تلقي اللقاح، والذي يجري الان الاتفاق على انتاجه بكميات كبيرة بين الصحة العالمية و والصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا؛ والمرفق الدولي لشراء الأدوية وشركة GSK ومنظمة بيل اند ميليندا قيتس وشبكة من مراكز الابحاث الافريقية التي اشرفت على دراسات اختبار اللقاح. هذا الانتاج والتحضيرات لادراج اللقاح بشكل عملي سيأخذ تقريبا حتى يوليو العام المقبل، ولكن هذه الفرصة الكبيرة لاستغلال اولوية السودان تحتاج الي استعدادات عاجلة من قبل وزارة الصحة السودانية:


١- يجب على وزارة الصحة العمل فورا على تحديث احصائيات الملاريا كضرورة تقنية لتقديم اسم السودان للحصول على اللقاح. ويمكن ان يتم ذلك عبر انجاز تقرير المسح متعدد المؤشرات (MIC) والذي يجب ان يتم كل اربعة سنوات (اعتقد ان الاخير كان يجب ان يتم في ٢٠١٨). 


٢- يجب البدء في التحضيرات العملية من كروت التطعيم وتدريب المطعمين وخطة تغيير وتطوير نظم التطعيم الروتينية للاطفال بحسب الروتين السوداني. ونظرا لأن التطعيم مخصص للأطفال دون سن الثانية، فيمكن دمجه مع برامج تطعيم الأطفال الروتينية الأخرى، لذلك قد لا تكون هناك حاجة إلى كثير من العمل في تجهيز بنية تحتية إضافية.


٣- ينبغي البدء منذ الان في اعداد المقترح المطلوب طرحه للتحالف الدولي للقاحات GAVI من اجل ضمان حصول السودان على اللقاح. هذا المشروع ينبغي البدء في كتابته عبر لجنة تقنية مؤهلة من الكوادر ذات الخبرة في وزارة الصحة يتم تكليفها بتجميع المعلومات وتحضير وكتابة المقترح منذ الان


ان النجاح في ادراج السودان لتلقي لقاح الملاريا بسرعة سيكون من اكبر الانتصارات التي تحققها حكومة ثورة ديسمبر المجيدة، والتي سيمتد اثرها لعقود طويلة وعلى المدى البعيد لاطفال وشعب السودان


Comments

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل