المعركة الدون كيشوتية: عن الصراع السياسي العبثي حول من يملك قوى الحرية والتغيير وغياب حكم القانون

 

المعركة الدون كيشوتية: عن الصراع السياسي العبثي حول من يملك قوى الحرية والتغيير وغياب حكم القانون

أمجد فريد الطيب


يحتدم النقاش والصراع السياسي هذه الايام في السودان حول من الذي يمتلك الشرعية لاستغلال واستعمال اسم الحرية والتغيير بين الاحزاب والتنظيمات المكونة له. وشهدت قاعة صداقة قبل عدة اسابيع توقيع على ميثاق لتوحيد قوى الحرية والتغيير ردت عليه المجموعة المناوئة له بتنظيم توقيع لاتفاق اخر في نفس القاعة يوم السبت 2 أكتوبر.قد ينجح وقد لا ينجح.  

بطبيعة الحال فان القضية الاساسية في اي صراع سياسي هي قضية السلطة. فما هي السلطة التي تحوزها الحرية والتغيير كجسم، ليسود النقاش السياسي حول من الذي يملكها على ما سواه من قضايا؟ هناك كثير من (الخم) في نقاش هذا الموضوع وهو ما يتطلب رجوعنا الي الاساسيات الواردة في الوثيقة الدستورية.

حددت الوثيقة الدستورية في المادة (10) اجهزة الحكم الانتقالي بشكل واضح في ثلاثة اجسام مجلس السيادة ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي الانتقالي. هذه هي اجهزة الدولة التي تم الاتفاق عليها وتكليفها بالمهام الستة عشر التي تم تحديدها للتنفيذ خلال الفترة الانتقالية. تم تقسيم السلطات والمهام بين هذه الاجهزة بشكل واضح ومفصل، بالاضافة الي المهام والسلطات التي حددتها الوثيقة للاجهزة العدلية والسلطات القضائية. ونسبة لأن الوثيقة الدستورية جاءت نتيجة اتفاق سياسي بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، فقد اوكلت هذه الوثيقة مهام سياسية محددة للطرفين. وهذه المهام بالنسبة لتحالف الحرية والتغيير هي:

1-    اختيار 5 من اعضاء مجلس السيادة والتوافق مع المجلس العسكري على العضو السادس بحسب نص المادة (11-2)، وفي حالة فقدان احد الاعضاء المدنيين لعضويتهم لأي سبب فان هذه المهمة لا تعود الي قوى الحرية والتغيير بل يتم ايكالها الي المجلس التشريعي الانتقالي لاختيار عضو بديل بحسب نص المادة 14 – 2 من الوثيقة الدستورية.

2-    ترشيح رئيس الوزراء ليتم تعيينه من قبل المجلس السيادي، وقائمة المرشحين لمجلس الوزراء -ما عدا وزيري الدفاع والداخلية- ليختار من بينهم رئيس الوزراء بحسب المادتين ( 15 -1 ) و (15 – 2) من الوثيقة الدستورية. وبالمثل وفي حالة فقدان عضوية اي من الوزراء لعضويته في المجلس، تئول سلطة اختيار بديل له الي المجلس التشريعي الانتقالي بعد تكوينه بحسب المادة (18 -2 ) من الوثيقة الدستورية.

3-    المهمة الثالثة الموكلة للحرية والتغيير هي اختيار نصيبها من عضوية المجلس التشريعي الانتقالي بحسب المادة (24 -3) من الوثيقة الدستورية. وهي السلطة الوحيدة المتروكة لقوى الحرية والتغيير فيها اختيار البديل في حالة فقدان العضو لعضويته بحسب المادة (27 – 2) من الوثيقة الدستورية.

وبحسب تعديلات اتفاق سلام جوبا والتي اضافت الجبهة الثورية الي نسيج الفترة الانتقالية وتضمنت مادة تكوين مجلس الشركاء، منح كل من الشركاء بما فيهم الحرية والتغيير حق تغيير الاعضاء الممثلين له في مجلس الشركاء، والذي تم الاتفاق على كونه مجلس تشاوري يعنى بحل الخلافات بين شركاء الفترة الانتقالية وليس له أي سلطات تنفيذية.

اذن هل لتحالف الحرية والتغيير بحسب الوثيقة الدستورية أي سلطات تنفيذية او دستورية؟

الاجابة لا

هل من سلطة تحالف قوى الحرية والتغيير-في أي شكل من اشكاله السابقة او اللاحقة- سلطة دستورية للمطالبة بحل مجلس الوزراء  مثلا او تغييرها؟

الاجابة لا

حل الحكومة او اقالة الوزراء ورئيس الوزراء فصلتها الوثيقة الدستورية في المادة (18 -1 ) وحصرتها في الاتي: استقالة رئيس الوزراء وقبولها من مجلس السيادة، استقالة الوزير وقبولها من رئيس الوزراء، اعفاء الوزير من قبل رئيس الوزراء، سحب الثقة من قبل المجلس التشريعي باغلبية الثلثين، الادانة من محكمة في جريمة تتعلق بالشرف او الامانة او الذمة المالية، الاصابة بمرض يحول دون القيام بالمهام، الوفاة، فقدان شرط من شروط العضوية والتي تتضمن: الجنسية السودانية، الا يقل العمر عن 25 عام، النزاهة والكفاءة والتأهيل، عدم الادانة في جريمة تتعلق بالشرف والامانة والذمة المالية، عدم الجنسية المزدوجة لرئيس الوزراء ووزاء الدفاع، الداخلية، العدل، والخارجية. بالمثل لدى المكون العسكري فان في حالة فقدان احد اعضاء مجلس السيادة العسكريين لعضويتهم فانه يتم ترشيح بديل له بواسطة القائد الاعلى للجيش والذي هو مجلس السيادة بكامل عضويته (المادة 14 -2)

كل هذه السلطات الموكلة لتحالف الحرية والتغيير كان يجب ان تكون الان في يد المجلس التشريعي الانتقالي والذي لم يتم تكوينه بعد، ولكن بحسب الفتوى القانونية في تفسير نص الوثيقة الدستورية فان سلطات المجلس التشريعي الانتقالي لحين تكوينه يمارسها الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة الوزراء (المادة 25 -3)

اذن ففيما هذه المعركة الطاحنة التي تدور رحاها الان...

الشاهد ان الترويج لمصطلح الحاضنة السياسية كان وما زال محاولة للالتفاف على تكوين المجلس التشريعي الذي ستئول اليه اغلب السلطات التي تم ايكالها للحرية والتغيير والتأخير البالغ الذي شهدناه حتى اللحظة في تكوينه، هو السبب الاساسي لوجود هذه السلطة غير المؤسسية لاسم تحالف الحرية والتغيير، وهي التي ادت للصراع الدونكيتشوتي الذي نشهده حاليا حول من الذي يحق له استعمال اسمه. فقوى الحرية والتغيير لم تلعب على الاطلاق دور الدعم السياسي للجهاز التنفيذي يشهد على ذلك التعطيل الطويل الذي قامت به الحرية والتغيير وهي موحدة في تعطيل البرنامج الاقتصادي لدكتور ابراهيم البدوي وزير المالية في الحكومة الاولى، وايضا قبولها بالمشاركة في جسم غير دستوري وهو المجلس الاعلى للسلام  بدلا من الوقوف ضده ورفضه لصالح الانحياز لولاية جهاز الدولة التنفيذي على المهام التنفيذية الموكلة له. استمرت قوى الحرية والتغيير في استغلال السلطة الرمزية وغير المؤسسية الموكلة لها بدون سند دستوري، وتوزعت خلالها ادوار التحالف مع المكون العسكري للضغط على الجهاز التنفيذي، بشكل جعلها اشبه بمرجعية مجلس تشخيص مصلحة النظام الايراني دون سند قانوني او دستوري بدلا عن التركيز على تقوية جهاز الدولة التنفيذي المدني بشكل يضمن اصلاحه ومأسسته على الامد الطويل. وهو الامر الذي ساعد في ترسيخه للاسف رئيس الوزراء بقبوله بمنح التحالف هذه السلطة التنفيذية الاشرافية دون ضوابط واضحة ودون سند دستوري، وهو ما ادى الي تزايدها وتناميها دون ان يكلف اي احد نفسه عناء مراجعة الوثيقة الدستورية او محاولة الالتزام بها.

الاختلاف السياسي الان هو حول سلطة غير موجودة فعليا، لا قانونيا ولا دستوريا. ويسعى فيها كل طرف الي استغلال حجج سياسية يحاول وضعها في قوالب دستورية وقانونية لتقنين لسلطة غير موجودة بالاساس. هذا الامر من الخطورة بمكان لأنها تتيح لكل الانتهازيين من بقايا النظام السابق، او من اي طامحين لتقلد سلطة سياسية غير محصورة ولا محددة باي قانون ، امكانية المشاركة في تأجيج نيران الخلاف لنيل جزء من كيكة السلطة. لا بديل لبناء دولة القانون غير الالتزام بحكم القانون. السلطة الانتقالية -واي سلطة - يجب ان تكون عند اجهزة الدولة ويجب تنفيذها عبر قوانين وقواعد ولوائح واضحة. محاولة الاستسهال والقفز على النصوص القانونية باعتبار ان هناك جهة تعرف المصلحة العليا او تحتكر الحقيقة المطلقة هو امر خطير ويمهد لخلافات قد تعصف بالانتقال. هناك اليات منصوص عليها لتعديل الوثيقة الدستورية، ولكن الطريق الوحيد للخروج من نفق الانتقال لافاق البناء والتعمير هو التوحد في الالتزام بما تم التوافق عليه، وان يشد الجهاز التنفيذي من عوده في ممارسة مهامه وسلطاته بالتشاور مع كافة الاطراف السياسية وليس بالخضوع لها.

Comments

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل