رسالة بعلم الوصول: اذا اخترتم ان تتسخ ملابسكم بمحض ارادتكم، فهذا شأنكم، ولكن لا يمكنكم اجبار الاخرين على الاتساخ معكم!

رسالة بعلم الوصول: اذا اخترتم ان تتسخ ملابسكم بمحض ارادتكم، فهذا شأنكم، ولكن لا يمكنكم اجبار الاخرين على الاتساخ معكم!


دخلت الي فضاء العمل في وقت مبكر من عمري. وهو طريق شاق في بلادنا، لا يختاره ويواصل تحري ناصع دروبه وحقها الا من لا يشق عليه دفع اثمانه الباهظة. وانا لم اتحرى في دروبه ولم اتبع غير بوصلة ايماني بما اعتقد في صحته وصوابه. تحريت ان امشي في سبيل ما اعتقد بان فيه مصلحة شعبنا غير ابه ولا متهيب من اي مخاطر او معاناة او وعورة في الدرب، مستندا لايماني بحتمية انتصار الحق والعدل وسيادة الديمقراطية في هذه البلاد. لم اتخذ موقفا قط لكسب شخصي، او مجاملة او هيبة، يشهد على ذلك العدو قبل القريب… فالحق عندي احق ان يتبع، لو اختلفت فيه مع اقرب الناس لي، او اتفقت فيه مع عدو. 
  
وواهم فقط، بل مذهول عن الواقع من يظن ولو للحظة بان مثلي يسعى وراء مصلحة او مكاسب ذاتية… فمن يعرفني، او حتى لديه ادنى معرفة بي، يعرف ان لا حاجة لي في غبار العمل العام للتكسب منه، وجرب معرفة ذلك ايضا بشكل قاسي من ظل يسعى ولحين زمان قريب ليضمني لصفوف المتكسبين الفسدة الذين امتلأت بهم سجلاته.   

ناضلت ضد نظام الاسلاميين منذ وقت مبكر عندما كانت اثمان النضال ضدهم غالية، وحتى سقوطهم، وخبرت سجونهم ومعتقلاتهم عندما كان بعض رافعي الشعارات وكاذبي المواقف وحارقي البخور يتمرغون في ترابه وينتظرون نفحاته وعطاياه، ويلوذ بعضهم الآخر باختيار السلامة وطلب الامان الشخصي. لم يوقفني خوف ولا رهبة ولا اعتبار ذاتي عن اجتراح الافكار واقتراح المبادرات والدفع بها اعزازا واجلالا لوجه هذا الشعب والوطن، وسعيت فيها على الدوام لما ينفع الناس من اي موقع كنت فيه، يشهد على ذلك التتبع القريب والبعيد للتاريخ، والذي يحاول طمسه وتشويهه بعض الذين تكسبوا منه حتى الثمالة.   

انتشرت حولي سلسلة من الاشاعات الممنهجة في سياق محاولات ارهاب فكري وممارسة الابتزاز السياسي. ويعلم الذين يقفون وراءها انها لن تؤثر علي كثيرا، فليس شأني فيها الا بعض حسرة على بعض من خاب ظني في استقامتهم. ولكن الغرض منها هو اقصاء المنطق المخالف، وتشويه التوجه والرأي والحجة المخالفين باختلاق الاكاذيب، او اثارة الغبار حول اصحابها عند العجز على الرد عليهم بحجة او منطق مضاد. وهذا بالطبع سلوك العاجز المنهزم… فالحق لا يمكن خدمته بالباطل، وما ادل على باطل موقفهم غير اكاذيبهم، وتدليسهم وانخراطهم فيها، حتى لو انتشرت واحتفوا فيما بينهم بتداولها، فهم على الاقل يعلمون في قرارة انفسهم اين يقفون بعيدا عن الحق… وللاسف الي اين يقودون شعبنا بمثل هذه المواقف . 

لكن هذه الحرب، وما سبقها من تدافع سياسي لم يدمرا بلادنا فحسب. بل عريا ايضا انحطاط بعض ممارسي العمل العام من الساسة والملتحقين به من حوارييهم، وكشفا ايضا عن خلل البوصلة الاخلاقية للذين لا يتورعون الخوض في اعراض الناس وفي حيواتهم الشخصية، واختلاق الاكاذيب وتداولها ونشرها وتحريض تابعيهم لتضخيمها بعيدا عنهم على طريقة الراية والوان وبقية تجارب الصحافة الصفراء التي وأدت الديمقراطية في بلادنا، وليس من عجب ان سبقهم حسين خوجلي بنفس الاساليب ضدي على ايام حكومة الفترة الانتقالية الاولى.  

وبينما يستندون لوشائج علاقات قديمة يتوهمون انها تسند اكاذيبهم، بغية تجريم الخلاف السياسي، بل وحتى انتصارا للفاشي الذين يخجلون من تواجدهم المعيب في صفوف نصرته… هم يعلمون تمام العلم، باني لن اخوض في وحل هذه المعارك، بالرغم من انني اعلم عن ادرانهم الكثير… ولكن بالنسبة لي فهي ليست ذات صلة بالخلاف في المجال العام. فانا اخوض معاركي في ميادينها الصحيحة، وفي اماكنها صحيحة دون الحوجة لاختلاق الاكاذيب وخلط الاوراق التي لا تكشف غير ضعف حجتهم في مجال الاختلاف نفسه. ولا تزال رسائل التهديد بالحرق الاعلامي، ومحاولات الارهاب الاجتماعي والجسدي لاسكات صوت الاختلاف موجودة وازمانها قريبة.   

الخلاف السياسي حق اساسي في ممارسة الديمقراطية والتي لا يمكن بناءها او تشييدها عبر من لا يؤمنون به. اما هذه الحرب التي تدور في بلادنا الان، فقد ابنت رأيي فيها منذ يومها الاول، وحتى قبلها عندما ظللت احذر منها ومن الطريق الذي قادنا اليها، فهي حرب سيئة وكل اطرافها بذات السوء. وافضل ما يمكن ان يحدث لها هو تتوقف وان تتوقف باسرع ما يمكن. هذا موقف واضح تشهد عليه كتابات محضورة ومنشورة ونقاشات علنية ومتكررة. والموقف الصحيح هو الوقوف ضدهم جميعا، فايقاف هذه الحرب لمصلحة شعبنا يتطلب هزيمتهم الاثنين، وانتصار ما فيه مصلحة السودان وشعبه. اما انحيازات ادعياء العقلانية السياسية وبناء هيئات الدعم المدني لدعم احد اطراف القتال المجنون ومسامرة قتلة شعبنا، فليس سبيلا لايقاف الحرب ولا فيه مصلحة لشعبنا ولا لبلادنا، ولم ينفع اي تدليس في تغيير ذلك على ارض الواقع.   
 
ابنت موقفي هذا من يومها الاول ولكن لم يوقفني هذا -ولن- عن الاشارة واستمرار الاشارة الي الجرائم الفاشية التي ترتكبها جحافل المليشيا وبربرية ما تصنع في بلادنا. فادانة هذه الجرائم  من اي طرف جاءت وتعريتها بحجمها الحقيقي بدون محاولات التقليل منها او صرف النظر والتركيز عنها او القفز عليها، هو موقف مبدئي مرتبط ومتكامل في سياق الانحياز للحقوق العامة ولمستقبل الحكم المدني والديمقراطية في بلادنا، واذا عجز البعض -لما يخصهم- عن اتخاذ هذا الموقف البسيط في انحيازاته المبدئية، فلن يستطيعوا اجبار الاخرين او ابتزازهم او ارهابهم للكف عنه. اذا اختاروا ان يقوموا بالصاق الاوساخ على ملابسهم، فلن ينفعهم محاولة الصاقها الاخرين او اجبارهم على الاتساخ معهم.

ستنتهي هذه الحرب، اجلا ام عاجلا، وسينتصر شعبنا كما انتصر في ثورته على جحافل البربرية والفاشية والانحطاط ولو طال الزمن 

أمجد فريد الطيب 

Comments

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل