ملاحظات على مسودة الاتفاق الإطاري

 

ملاحظات على مسودة الاتفاق الإطاري

أمجد فريد الطيب

 


في يوم الثلاثاء 22 نوفمبر، أعلنت قوى الحرية والتغيير ان مجلسها المركزي قد ناقش واجاز مسودة الاتفاق الاطاري ، الذي كانت قد أعلنت عن عزمها على توقيعه مع المعسكر الانقلابي كتطوير للتفاهمات السابقة فيما بينهم. كان حرياً بالحرية والتغيير نشر هذه المسودة فور اجازتها على أوسع نطاق ممكن، ومحاولة الاسترشاد بالرأي العام في تطويرها، ذلك إن لم تكن مجرد أداء واجب في اخراج اتفاقات مسبقة. وفي كل الأحوال لا تزال الفرصة متاحة للاسترشاد بالرأي العام للسودانيين الذين تمثلهم في التفاوض مع العسكر قبل التوقيع على هذه المسودة كاطار للحل السياسي. ولعل من المجدي هنا اقتراح عقد ورش نقاش مفتوحة مع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين حول هذه الوثيقة في الأيام القليلة الماضية قبل المضي قدماً في توقيعها وفرضها كأمر واقع، وهذه ممارسة ينبغي أخذها والتعامل معها بجدية وليس كمجرد أداء واجب. من الضروري الانتباه الي انه وبدون ملكية حقيقية واسعة ومشاركة جماهيرية في دعم أي خط سياسي يهدف لحل سلمي لانقلاب 25 أكتوبر، يصبح هذا الاتفاق او غيره مجرد تقنين لانقلاب البرهان – حميدتي ليس الا، وان التضليل الإعلامي لن يجدي في تغيير ذلك بل ان اقصى ما يفعله هو تقسيم معسكر القوى الديمقراطية بشكل اكبر وهو ما سيضعف أي مقاومة جماهيرية مستقبلية لأي انقلاب قادم.

فيما يلي ملاحظات عامة ولكنها ضرورية على مسودة الاتفاق الاطاري المطروحة:

·       جاءت الاتفاق الاطاري من خمسة أبواب: مبادئ عامة، قضايا ومهام الانتقال، هياكل السلطة الانتقالية، الأجهزة النظامية، قضايا الاتفاق النهائي. جاءت صياغة الوثيقة على شكل مبادئ قانونية ودستورية عامة، وليس على صيغة اتفاق يحدد التزامات كل طرف من موقعيه. وفي هذا جاء الاطار عاماً واشبه بنصوص الوثيقة الدستورية، وايضا من الملاحظ ان الاتفاق تفادى الاشارة الي انقلاب 25 اكتوبر بأي شكل من الاشكال كانقلاب، وهو امر اشبه بمحاولة معالجة مرض بدون تشخيصه وتحديد ماهيته، وهذا ما لا يستقيم منطقاً.

·       تحدث البند رقم 10 عن جيش وطني واحد ملتزم بعقيدة عسكرية موحدة لحماية حدود الوطن وحماية الحكم المدني الديمقراطي. ولكن الفصل الرابع المعنون بالاجهزة النظامية حددها بانها تشمل الجيش وقوات الدعم السريع والشرطة وجهاز المخابرات. وفي البند المتعلق بقوات الدعم السريع عرفها بانها تتبع قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة، فهنا يبرز السوال عن لماذا النص بشكل منفصل على قوات الدعم السريع كقوات منفصلة اذا كان المبدأ العام هو وحدة الجيش. وما هي العقيدة العسكرية التي تتبناها وتخدمها هذه القوات (الدعم السريع) والتي تجعل من النص عليها منفردة في الاتفاق السياسي. وأيضا ورد في نفس الباب الحديث عن خطة الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود الي جيش موحد ودمج قوات الدعم السريع بحسب الجداول المتفق عليها. يبرز التساؤل هنا ما هي هذه الخطة المنصوص وعليها وأين وردت في هذا الاتفاق او في أي وثائق أخرى و ما هي هذه الجداول المذكورة ... ذلك ان لم يكن النص على ذلك مجرد (طق حنك) للتأكيد على استقلالية الدعم السريع، والتي تم أيضا التأكيد عليها بتتبيعها لرأس الدولة وليس لقيادة القوات المسلحة، وهو ما يجعله بشكل فعلي عبارة عن جيش موازي للقوات المسلحة.

·       أيضاً وبخصوص الدعم السريع، تم النص بوضوح في النصوص المتعلقة بالقوات المسلحة وبجهاز الشرطة النص على منعهم بوضوح من ممارسة أي اعمال تجارية او استثمارية او اقتصادية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي في حالة القوات المسلحة، ولكن غاب نص هذا المنع فيما يتعلق بقوات الدعم السريع. والشاهد ان الواقع يقول ان لكل من هذه الأجهزة حاليا استثماراته المباشرة وغير المباشرة الممتدة.

·       أيضا اشتمل هذا الفصل على تحديد جهاز المخابرات كاحد الأجهزة النظامية –ولا ادري اذا كان المقصود القوات النظامية- وبطبيعة الحال فهذا خلط كبير. فجهاز المخابرات هو أجهزة الدولة الخدمية مثله مثل المجلس القومي للأدوية والسموم او جهاز الرقابة على المركبات العامة او جهاز المغتربين وكلها أجهزة دولة لها مهامها الهامة التي توديها. وقد حددت الوثيقة طبيعة الجهاز كجهاز مدني يختص بجمع وتحليل المعلومات في المادة الأولى من الباب الثاني، هنا يصبح تخصيصه بالنص عليه في بند الأجهزة النظامية غريبا بعض الشي.

·       الأجهزة والقوات النظامية في أي دولة هي أدوات العنف الشرعي الذي يحدد احتكاره تعريف الدولة. وهي جهازين فقط ... الجيش والشرطة... واي تقسيمات أخرى داخلية يحددها وينظمها القانون وليس الاتفاقات السياسية. تخصيص النص عليها في الاتفاقات السياسية هو المدخل لتمكين نفوذها السياسي وفيه عدم تعلم من الأخطاء السابقة.

·       في الباب الثاني المتعلق بمهام الفترة الانتقالية، لم يتم تحديد في أي واحدة من البنود من هي الجهة والطرف المكلف بتنفيذ هذه الواجبات والمهام، وهو ما سيفتح الباب لتكرار نفس الجدل الذي تم في الفترة الانتقالية السابقة.

·       غابت قضية عودة النازحين واللاجئين ومعالجة قضاياهم وإصلاح ما افسدته ودمرته سنوات الحرب في المناطق المتأثرة عن مهام الفترة الانتقالية.

·       في الباب الثالث المتعلق بهياكل السلطة الانتقالية، تتحدث الاتفاق عن معايير الكفاءة الوطنية في اختيار رئيس الوزراء ... دون تحديد ما هي هذه المعايير... هل المقصود معايير النشاط السياسي الوطني ام معايير الكفاءة العلمية والمهنية ام ماذا بالتحديد

·       المادة 8 والتي تنص على تكوين مجلس عدلي بواسطة القوى السياسية الموقعة لاختيار رئيس القضاء ونوابه والنائب العام ومساعديه ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية فيه انتهاك كبير لاستقلالية السلطة القضائية، والأفضل ان يتم الترشيح لهذه المناصب بواسطة السلطة التنفيذية ويترك الاختيار للمرشحين لمداولات وجلسات استماع المجلس التشريعي بدلا من هذا التدخل السياسي السافر في الأجهزة العدلية، وهو ما يتعارض مع المادة 9 من الباب الأول (المبادئ العامة) والتي تنص على استقلالية القضاء.

·       المادة 11 والتي تنص على ان تعيينات رئيس الوزراء للمفوضيات المستقلة والمتخصصة من القوائم التي تقدمها له القوى السياسية الموقعة على الاتفاق فيه أيضا تدخل سياسي سافر في مهام الجهاز التنفيذي ومحاولة لخلق سلطة اشرافية على الجهاز الحكومي خارج جهاز الدولة وهو ما سيفتح الباب بشكل واسع للرشي والمحاصصات السياسية. وأيضا تتعارض مع المادة 9 من الباب الأول (المبادئ العامة) والتي تنص على استقلالية هذه المفوضيات.

·       تم تحديد مدة الفترة الانتقالية ب24 شهر من تاريخ تعيين رئيس الوزراء... وهذا التحديد خطل غير مبني على أي أساس واقعي لمدة المهام المطروحة في بداية هذا الاتفاق. وقد ناقشنا هذا الخطل في كتابة سابقة منشورة هنا:

SudanSeen: خرافة ضرورة ان تكون فترة الانتقال في السودان قصيرة الأمد

·       القضايا الأربعة التي رحلها الاتفاق لما اسماه الاتفاق النهائي هي لب الأسباب التي قام بسببها الانقلاب. وبدون مخاطبتها يصبح الاتفاق الاطاري مجرد لغو لغوي لا معنى له لأنه لا يخاطب الواقع بشكل فعلي.

هذه الملاحظات نتيجة قراءة سريعة لمسودة الاتفاق الذي تقترحه الحرية والتغيير ولكن أعيد مقترح ضرورة ان تقوم الحرية والتغيير بتنظيم ورش نقاش مفتوحة مع أوسع طيف سياسي واجتماعي فاعل لتقييم هذا الاتفاق بشكل حقيقي واستصحاب ملاحظات واعتراضات قوى الثورة (الحقيقية) عليه بغرض تحويله من مجرد تفاهمات ثنائية مع الانقلابيين يسعون الي ترجمتها على ارض الواقع الي محطة في تحقيق اهداف الثورة بشكل حقيقي، ومن البديهي ان الشارع لن يقبل بأي اتفاق لا يحقق مطالبه في استعادة مسار التحول المدني الديمقراطي بشكل حقيقي، مهما كانت اجتهد اصحابه في تسويقه. 

Comments

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل