قضية البارون وحدود سلطة الدولة

هو الحق من شعبكم ... فمن شاء فليتضامن ومن شاء فلا

ما اثارته قضية الشاب محمد الدسوقي الملقب بالبارون من حالة استقطاب حادة بين أوساط الناشطين الاجتماعيين والسياسيين في السودان، بين تضامن ولا تضامن ووصلت الي حد التطرّف في الاساءة للرجل كعاصفة العصاب الانفعالي الذي أمسك بتلابيب تعليقات مامون التلب، تثير الدهشة حقا. فالمعركة غير انها كلها في غير معترك فقد انقسمت الخنادق فيها بحدة واسقط فيها كل طرف ما يشاء من دانات الإدانات على ضمائر الطرف الاخر

فاولا الشاب يستحق التضامن... كونه بشر حي معرض لخطر الموت او انعدام الحرية في ظل بنود تتيح للدولة قتله بسبب فكرة في رأسه او حتى تصرف قام به ولَم يعتدي به على اي احد اخر. وهنا التضامن هو موقف مبدئي في وجه عسف سلطة لا تعترف بحدود لها. هذا التضامن ليس مربوطا على الإطلاق بموقفك من تصرفه قبولا او رفضا... بل هو موقف في وجه غول سلطة غاشمة

ثانيا...  المعركة الحقيقية التي انصرف عنه الناس الي  سؤال الحقوق والحريات ونصبوا أنفسهم في الجانبين قضاة وحكاما على النوايا... اما ادانة لموقف البارون وتنقيبا عما يحسبونه يقدح في نواياه، او بالطرف الاخر إدانة للمنتقدين واتهاما لهم بعدم الاتساق السياسي والرجعية في مسالة الحريات... وكلهم تجاهلوا السؤال الأهم ... وهو هل يحق لجهاز الدولة ان يقتل او يعتدي على حرية إنسان بسبب فكرة في رأسه... او فلنمضي ابعد   من ذلك، هل يحق للدولة ان تقتل على الإطلاق ؟!
دور وواجب الدولة هو تنظيم الحراك الاجتماعي وتداخلاته بين الناس وليس تأديبهم وإجبارهم على سلوك  معين او فكرة معينة ما دام لا يتجاوز مساحاتهم الشخصية والفردية الي مساحات الآخرين. وكذلك ليس من الواجب الدولة الانتقام باي شكل من الأشكال لذلك لا يحق لها ان تقتل أصلا

هذا السؤال الذي تجاوزه الناس الي حرب غبراء بين من يتضامن وبين من لا يتضامن كان هو الاجدى بتجميع الناس حوله وفتح النقاش فيه وعنه

اما فعله البارون نفسه، وأدى الي اثارة كل هذا اللغط، فهو من حقه تماما وخيار واعي اتخذه ونفذه، ولكن هل يصلح ان نقول انه آلية للتغيير الاجتماعي .. في رأيي لا... فكما لا نعترف للدولة بسلطة في محاكمات معتقدات الناس لا يجب ان نعترف لها باي سلطة في تغيير هذه المعتقدات. الدولة ليست اخ اكبر نذهب اليه لنستاذنه في تغيير خياراتنا الشخصية -وبالمناسبة بند الديانة موجود فعلا في استمارة طلب الأوراق الثبوتية ومحفوظ في السجل المدني لكنه لا يظهر في البطاقة او الجواز- في رأيي ان البارون هزم قضيته بنفسه عندما اعترف بان للدولة أصلا سلطة في اجازة تحديد خياره لمعتقده

فلندع اللجلجة جانبا ونلتفت الي ما هو اهم وأوضح في كف يد سلطة غاشمة عن التغول كل يوم على مساحات أوسع في الفضاء المدني في مجتمعاتنا. وحينها ... حينها فقط ستصبح القضايا والمواقف أوضح وأكثر جلاء 



امجد فريد الطيب 

Comments

Popular posts from this blog

Sudan: Tempus Vero, Veritas Liberabit Vos

العملية السياسية الحالية الى أين تمضي بالسودان؟

متاهة التحول الديمقراطي في السودان