انتخابات 2015: ما العمل؟

انتخابات 2015: ما العمل؟
محاولة لاستعادة الموضوعية للنقاش السياسي حول الانتخابات

د. أمجد فريد الطيب

توطئة:
منذ بداية هذا العام، توالت وتعددت إشارات مراكز القوى في النظام الحاكم إلي عزمهم في المضي قدماً في إقامة الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مقتبل العام المقبل. وتلي ذلك إعادة تكوين مفوضية الانتخابات وتعيين موظفيها منتصف أغسطس والذي تلاه إعلان جدول تقريبي للعملية الانتخابية يبدأ فيه اعداد السجل الانتخابي في نهاية سبتمبر بداية أكتوبر في تدشين فعلي للعملية الانتخابية. بينما وضع نفس الجدول موعداً تقريبيا للتصويت على الانتخابات الرئاسية في إبريل 2015 والتي سيسبقها أو يصاحبها إكمال الاستحقاق البرلماني في ذات التوقيت.
وباستثناء انتخابات 2010 التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل ونصوص الدستور الانتقالي، فقد كانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخرى التي اجراها نظام المؤتمر الوطني على طوال فترة سلطته منذ استلامه السلطة في يونيو 89، خياراً من تلقاء نفسه، وتدخل هذه العملية القادمة في ذات السياق وإن كان النظام يبرر لها بالتزامها بنصوص الدستور الانتقالي المستسقاة من اتفاقية السلام الشامل.
وبالرغم من أن العملية الانتخابية بمرحلة تسجيلها قد بدأت بالفعل بمرحلة التسجيل الجارية حالياً -وهو تسجيل تكميلي وليس كلي يعتمد على كشوفات المسجلين في انتخابات 2010 على سوءاتها كأساس – نجد أن المعارضة السودانية لم تتفق على موقف مؤحد وقطعي من الانتخابات حتى الأن. فبينما أعلنت أحزاب مثل الحزب الشيوعي السوداني مقاطعتها للعملية الانتخابية مبكراً جداً وتوالت تصريحات مشابهة من قبل قياديين في حزب الأمة نجد أحزابا أخرى مثل الحزب الاتحادي الديموقراطي قد أودعت أسماء لممثليها لدى مفوضية الانتخابات وتناقش كوادر قيادية في أحزاب ومنظومات أخرى مبدأ المشاركة في الانتخابات كأداة للمقاومة فيما لم تعلن تنظيماتهم بعد موقف رسمي من العملية برمتها في ممارسة ديموقراطية للنقاش مع الجماهير ومحاولة لإشراك اكبر قدر من الناس في عملية اتخاذ القرار السياسي المتعلق بعملية جماهيرية في الأساس. لكن الملاحظ أن هذا النقاش الدائر يجري على أسس نظرية أشبه بالإيمان المطلق بصواب رأي دون أخر دون دفوعات نقاشية أو تصورات متكاملة للخيار المطروح من كل معسكر وتحليل نقدي لمتطلبات تنفيذه. فأصحاب نظرية المشاركة كأداءه المقاومة يدفعون بالقاعدة المنطقية بان المعارضة لن تنتصر في معركة دون أن تخوضها في نداء لخوض حرب الانتخابات باعتبارها معركة متاحة ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، بينما يطرح المتخندقون على ضفة خيار المقاطعة شعارات مثل انتخابات الدم استناداً إلى ما حدث بعد انتخابات 2010 التي تلاه تفجر نزاع مسلح جديد في جنوب كردفان والنيل الأزرق وشرعية صورية للنظام دفعت بالحياة في رمقه للسنوات الخمس الماضية. وبالطبع فإن لكل من المعسكرين أسانيده النظرية والسياسية التي تحتاج لنقاش كلي وشفاف وصادق لتمحيصها وتغليب واحد فيها على الأخر لكن مثل هذا النقاش المأزوم المنطلق من مواقف مسبقة لا يساعد بالطبع على اتخاذ القرار المنطقي السليم بل تندفع سفنه في بعض الأحيان لتتلاطمها أمواج التخوين والاتهامات المطلقة. فمن الصحيح انه لا يمكن لأحد أن ينتصر في معركة لم يخوضها بالأساس لكن هذه القاعدة ينقصها انه لا يمكن لأحد أن ينتصر في معركة لا يعرف ولم يحدد ما هو النصر فيها بالضبط؟ فما هو الغرض أو النصر الذي يرجوه أصحاب الدعوة لدخول الانتخابات؟ هل هو هزيمة المؤتمر الوطني في صناديق الاقتراع أم له في ذاك مأرب موضوعية متعلقة بمسيرة مقاومة الإنقاذ أو ذاتية متعلقة ببناء التنظيمات السياسية أخرى. وعلى الضفة الأخرى نجد أن الانتخابات فعلا بثت روحا لحياة النظام في 2010 بل وأدت ممارساته فيها لإشعال نيران الحرب الجديدة الدائرة في جبال النوبة والنيل الأزرق لكن كذلك من الضروري ملاحظة أن القوى السياسية لا تستطيع تجاهل عملية سياسية جماهيرية تشمل البلاد بأكملها وفق شروط شكلية معينة ضرورية لإنجازها والتعامل معها كأن لم تكن ... خصوصا في أرياف البلاد الشاسعة والتي تمثل فيها الانتخابات عملية تداول وطرح سياسي حقيقي لمختلف الأزمات القاعدية. مع وضع ملاحظة أن المؤتمر الوطني بدأ حالياً في التهرب من الالتزام الانتخابي في الأطراف والولايات ويحاول حصر العملية الصورية على المستوى الرئاسي فحسب في الاعتبار.
هذا المقال لا يزعم انه يقدم حلاً أو إجابة للأسئلة أعلاه لكن هو محاولة لإيجاد أساس نظري مجرد لتقويم مسار النقاش الدائر وإيجاد مادة نظرية يستند عليها أصحاب الأطروحات المختلفة في تقييم مواقفهم وفهم ماذا يريد المؤتمر الوطني وماذا تريد جبهات المقاومة المتعددة له في الميقات الزماني من أكتوبر 2014 وحتى إبريل 2015 ... إن صدق لسان مفوضية لجنة الانتخابات القومية.

مقدمة نظرية: لماذا تقيم الأنظمة الشمولية انتخابات؟

حتى بداية عقد التسعينات في القرن الماضي ظل علماء الاجتماع السياسي يعتبرون ان اجراء اي عملية انتخابية تعددية تلتزم بالشروط الشكلانية للميقات الزمني والشرطي للانتخابات، هو مؤشر لديموقراطية النظم الحاكمة بينما يضعون الاستفتاءات الرئاسية المنفردة على الخندق الأخر كمؤشر لشمولية النظام. لكن منذ بداية عقد التسعينات، أشارت عدة بحوث وأوراق علمية إلي عدم صحة هذه المقاربة بشكل مطلق. حيث ميزت عدة دوافع للنظم الدكتاتورية لإقامة انتخابات تعددية ذات طابع تنافسي شكلي تلتزم فيه بكافة الشكليات الإجرائية للعملية الانتخابية مستخدمةً إياها كألية تزيد بها النظم الحاكمة قوة سيطرتها على جهاز الدولة (Geddes, 1999).
والملاحظ أيضا أن الأنظمة الشمولية التي تقيم نوعا ما من الانتخابات في مواعيد منتظمة يزيد متوسط فترة حكمها بالضعف على الاقل على الأنظمة الشمولية التي لا تقيم انتخابات منتظمة. (انظر جدول رقم 1)

جدول رقم 1: متوسط سنوات حكم الشموليات حسب وضع إقامة الانتخابات (في الأعوام بين 1950 – 2009)
لا انتخابات
انتخابات جزئية
انتخابات عامة منتظمة

6 سنوات
9 سنوات
20 سنة
شمولية عسكرية
12 سنة
10 سنوات
21 سنة
شمولية فردية
اقل من 4 سنوات
اقل من 4 سنوات
33 سنة
شمولية حزب واحد

كما اكتشفت الشموليات عدة سبل وطرق تتلاعب بها بنتائج العملية الانتخابية دون ان تقدح في شرعيتها الشكلانية او تخالف شروطها الإجرائية ((Hyedes et al, 1994. وكانت اغلب سبل هذا التلاعب من خلال تأثير السلطة على:

 (1) القانون الانتخابي وتوزيع الدوائر.
(2) شروط الأهلية للترشيح والتصويت.
(3) الاحتكار والسيطرة على الإعلام الرسمي.
(4) التأثير على المجتمع المدني (نقابات، هيئات عمالية، لجان شعبية .. الخ).
(5) استخدام مؤسسات الخدمة المدنية (التأثير على الموظفين بالدولة، العاملين بالمؤسسات العسكرية .. الخ أو استخدام الخدمات العامة كرشاوي انتخابية أو غير ذلك).

في ذات الحين، اشارت دراسة واقع الانتخابات في النظم الشمولية على انها تمنح المقاتلين من اجل الحرية فرصة لمعركة بشروط مختلفة ضد نظم الاستبداد مثلما حدث في تجربة حركة المقاومة الصربية (أوتبر) والتي أطاحت بميلوسوفيتش عبر معركة انتخابية وحراك جماهيري أعدت له على مدار عامين. وليس بالضرورة طبعاً أن يكون النصر في مثل هذه المعارك الانتخابية ضد الشموليات هو في الإطاحة بالطاغية لكنها تفتح أفاق معارك المقاومة على خيارات ذات طابع مختلف سوى ان كانت بخوض الانتخابات ام بمقاطعتها او تعطيل اقامتها. وبالطبع فان سيناريوهات النصر تختلف في حالة كل خيار.
ومن الضروري أيضا ملاحظة أن دوافع النظم الشمولية لإقامة الانتخابات تختلف باختلاف تقييمه لمن أين يتهدد الخطر قوة سيطرته على جهاز الدولة. فالخطر يمكن ان يأتي:
·       من داخل النظام نفسه عبر صراعات مراكز القوى داخل النخبة الحاكمة.
·       أو من المنظمات السياسية المعارضة المسلحة او المدنية،
·       او من المنظومات القاعدية للمواطنين كالنقابات المنظومات المهنية او الاثنية.  

تحديد موقع الخطر هذا يحدد أيضا الأدوات التي يستخدمها النظام الشمولي للتلاعب بالانتخابات. وكذلك يحدد المستوى الاجرائي الذي تجري بها الانتخابات الشمولية: الرئاسي أو البرلماني أو القاعدي المباشر (لجان شعبية، أو حكومات محلية إلى غير ذلك من مستويات الحكم القاعدي) ... او أي توليفة مما سبق.
فيما يأتي نستعرض دوافع إقامة النظم الشمولية للانتخابات:
1.              للوصول لصيغة تصالحية بين مراكز القوى داخل النخبة الحاكمة او الطبقة المسيطرة:
تمتاز الأنظمة الشمولية الحديثة بتعدد مراكز القوى كل ما هبط مستوى السلطة إلى أسفل في شكل أشبه بالهرم. فبينما نجد المتحكم بالسلطة العليا في الدولة مركز واحد، نجده يوزع التأثير على مراكز مختلفة كلما هبط مستوى الممارسة السياسية إلى أسفل بما يمنع تفرد مركز واحد بسلطة كافية تسمح له بتحدي المركز القائد. تعدد هذه المراكز على مستوى واحد ينتج على المدى الطويل صراعات غير قابلة للحل بالتأثير القيادي المركزي فيما بينها. بالتالي تصبح الانتخابات هي الية نظيفة ومقبولة من جميع الأطراف لتصفية هذه الخلافات. (مثال صراعات فروع المؤتمر الوطني على منصب الوالي في كسلا والقضارف والشمالية، صراع والي القضارف مع رئيس المجلس التشريعي، صراع غازي صلاح الدين مع نافع وعلي عثمان ... الخ)
2.              لتشكيل تحالفات سياسية مع قوى سياسية معارضة بطريقة نظيفة تضمن قبول قاعدتها الاجتماعية:
توفر الانتخابات في ظل النظم الشمولية أداة لتشكيل تحالف سياسي للنظام الحاكم مع قوى معارضة بطريقة أخرى غير تفاوضات المحاصصة السياسية أو الرشوة المباشرة بشكل يضمن قبول القاعدة الاجتماعية لهذه القوى المعارضة لهذا التحالف الذي يتم تصويره بعد الانتخابات كنصر سياسي للقوة المعارضة ويتم تسويق مشاركتها في السلطة وتحالفها مع النظام او حتى اندماجها فيه كنصر تم انتزاعه بواسطة جماهيرها المؤيدة وقاعدتها الاجتماعية التي يصبح من الصعب عليها مهاجمة نفسها بعد ذلك برفض ثمار هذا النصر الانتخابي.
3.              الانتخابات الصورية تقلل فرص الإطاحة بالسلطة عن طريق العنف العسكري الانقلابي: (Nordlinger 1977).
الانتخابات الشمولية وإن كانت لا تريد فعلياً المشاركة الشعبية والجماهيرية في العملية السياسية الا انها تزيد درجة التنظيم المدني للعملية السياسية، الامر الذي يزيد صعوبة التخطيط للانقلابات العسكرية. أتت هذه الملاحظة من خلال قراءة للتقلبات السياسية في أمريكا الجنوبية. التي لاحظت أن المخططين للانقلاب العسكري يخشون ويتحسبون المواجهة مع الجماهير المنظمة أكثر من خشيتهم المواجهة العسكرية مع أدوات بطش النظام. كما ان الانتخابات الصورية تمنح جزء كبير من المجتمع بما فيه الجيش الإحساس بالمشاركة في العملية السياسية مما يزيد صعوبة التخطيط للانقلاب العسكري. كما تقلل الانتخابات الشمولية احتمالية الإطاحة بالنظام من خلال بث أمل في أداة أخرى لتغيير النظام بطريقة أكثر سلاسة مما يضعف جماهيرية دعوات الانتفاضة عليه.
4.              تعرية وكشف مناطق ثقل المعارضة السياسية.
الانتخابات الصورية تقدم في مختلف مراحلها معلومات قيمة عن الواقع والجغرافيا السياسية للنظام الحاكم بغض النظر عن نتيجة التصويت الذي يتم التلاعب فيه بطرق أخرى. كما تكشف الانتخابات الصورية للنظام أي مواقع خطر او منافسة على سلطته غير ظاهرة على السطح السياسي المباشر.
5.           البحث عن شرعية صورية للتصالح مع المجتمع الخارجي والداخلي:
الانتخابات الصورية تقوي موقف النظام الحاكم في الدفاع عن شرعية حكمه كأمر واقع وتضعف دفوعات معارضته في التشكيك في شرعيته. كما توفر له مدخل للحصول على مساعدات اقتصادية ودعم سياسي دولي وإقليمي الذي يعتبر العملية الانتخابية بغض النظر عن صوريتها مقياسا للمشاركة الشعبية.
6.           بث الفرقة بين فصائل المعارضة المختلفة وتعميق الهوة بين تنظيماتها:
الانتخابات بالضرورة تعيد ترتيب الحسابات السياسية للتنظيمات السياسية وتجعلها تعيد حساباتها الذاتية والموضوعية بما في ذلك موقفها من النظام وينتج عن ذلك نقاش غير موضوعي عن المشاركة في الانتخابات يساهم في تقليل وحدة سياق مقاومتها للنظام. وأيضا ينتج ذلك اختلافات تخوينية بينها تضعف وحدة القوى المقاوم للنظام.
تعتبر الستة عوامل السابقة هي المظلات الأكبر التي تندرج تحتها أسباب ودوافع النظم الشمولية لإقامة انتخابات تعددية.

السلوك التصويتي للناخبين في الانتخابات الشمولية

ميزت دراسات الواقع السلوك التصويتي للناخبين باعتباره منحازاً للإبقاء على الوضع الراهن للنظام الشمولي باعتبار تأثره بأدوات الهيمنة التي يستخدمها النظام. ففي الغالب تقام الانتخابات في النظم الشمولية بعد فترة طويلة من تمكنها على مقاعد الحكم، الأمر الذي يجعل جزءاً كبير من الناخبين يتعاملون مع النظام الحاكم باعتباره في إطار الأمر الواقع وانه العامل المحافظ على الاستقرار، بالإضافة الي النزعة الاجتماعية للتخوف من التغيير السياسي مجهول المعالم (سؤال البديل الذي أثير مراراً وتكرارا في السودان).
ايضاً يؤثر عدم وجود صلة كافية بين الناخبين ومرشحي المعارضة في زيادة احتماليات تصويت الناخبين لصالح النظام الحاكم. العامل الأكبر في انعدام هذه الصلة هذه هو ان النشاط الانتخابي لطرح برامج او خطط خدمية تخاطب قضايا معيشية او قاعدية مباشرة للناس من قبل المرشحين المعارضين يكون غالبا خلال فترة الانتخابات أو الفترة القصيرة التي تسبقها. مما يخلق فجوة بين خطابهم المعارض الكلي للنظام مع الهموم المباشرة للناس على المدى الزمني الطويل (Shi 1999، Birney 2007، Wang 2008)
في الملخص يصوت الناخبون لمن يعرفونه من مرشحين بغض النظر عن طرحه الانتخابي.
كما تؤثر العوامل التالية (Simpser,2005) على إمكانية الإطاحة باي نظام شمولي عبر انتفاضة انتخابية:
v             المستوى التعليمي للناخبين: كلما زادت نسبة التعليم في بلد معين كلما زادت إمكانية تغيير نظام عبر الانتخابات.
v             وجود طرق عمل مؤسسي واضحة وموحدة او تنسيق عالي بين اجسام المعارضة السياسية Unified institutional mechanism او وجود حزب معارض واحد يتميز بوضوح
v             قلة حد التمايز الاثني: على عكس المعتقد فإن زيادة حدة صراعات الاثنية بين عناصر المجتمع تزيد فرص النظام الشمولي للاستفادة منها وفوزه بالانتخابات.
v             وجود مؤسسات قاعدية مهنية ونقابية فاعلة ومؤثرة.
v             وجود خبرة ديموقراطية سابقة للناخبين.
v             وجود ضغط عالمي لنشر الديموقراطية.

انتخابات 2015 في السودان:
للنظام عدة دوافع لإقامة انتخابات 2015:
1-          تفاقم الانهيار الاقتصادي للنظام والذي تزيد حدته الحصار الذي يلقاه النظام من المجتمع الدولي، والذي يربط أي دعم اقتصادي للبلاد بإجراء إصلاحات سياسية والوصول لتسوية سياسية.
2-          الخلافات السياسية والاستقطاب الحاد بين اقطاب النظام الداخلية على مستوى السلطة المركزية والولايات.
3-          استخدام ورقة إقامة الانتخابات كألية للضغط على التنظيمات المشاركة في الحوار مع النظام بوضع ميقات الانتخابات كموعد نهائي لاكتمال الحوار أو على الأقل الضغط بذلك.
4-          إخراج التحالف السياسي مع بعض القوى المعارضة الأقرب للنظام بشكل مقبول لجماهيرها، عبر تصوير مشاركتها في الحكم كنتيجة لفوزها ببعض المناصب السياسية عبر العملية الانتخابية.
5-          التنفيس عن حدة المعارضة السياسية الجماهيرية عبر بث روح المشاركة الصورية في العملية السياسية.
6-          الالتزام الصوري بنصوص الدستور الجاري.
كل هذه العوامل تدفع النظام في طريق إقامة الانتخابات المزمعة في موعدها، كما توفر له فرصة التلويح بإقامتها والبدء في إجراءاتها لاستخدامها كأداءه ضغط على المعارضة للوصول إلى صفقة تسوية سياسية ربما تتضمن تأجيل هذه الانتخابات كجزء من الصفقة، يتنازل فيها النظام عن الانتخابات مقابل التسوية السياسية. كما أن علو صوت ووتيرة إقامة الانتخابات من قبل النظام يضع المعارضة في ركن ضيق بتصويرها في موقف الرفض للانتخابات يمكن استخدامه من قبل النظام إعلاميا وسياسيا كمؤشر لضعف المعارضة وعزوفها عن العملية الانتخابية.
بالنسبة للمعارضة فإن مواقفها المعلنة من إقامة الانتخابات أو رفضها لا يستند حتى الأن إلى تحليل حقيقي للمخاطر والفرص بقدر ما ينتج تقييمات داخلية لوضعها الداخلي. فرفض الانتخابات بدون طرح بدائل للعمل الجماهيري، هو كسل مقنع يعفي الأحزاب المعارضة من أي عمل جماهيري حقيقي في مقاومة النظام ويوفر لها خطاب تصالحي مع الجماهير الناقمة على النظام دون مخرجات مادية ملموسة. كما ان المشاركة في ظل وضع تشتت المعارضة الحالي يمنح الانتخابات والفائز بها شرعية تنافسية لا يمكن القدح فيها بسهولة.
ان انحصار خيارات المعارضة في الموقف من الانتخابات بين المقاطعة السلبية والمشاركة الخاسرة فحسب يعبر عن كسل وعقم فكري وسياسي لا مثيل له. وتحديد ما يريده النظام من إقامة الانتخابات هو الذي يمكن ان يحدد لنا الخيار الأفضل في مواجهته لهزيمته في هذه المعركة. فمما سبق فالنظام لا يرغب في إقامة الانتخابات للوصول الي مقعد الحكم مثلا او كوسيلة للتداول السلمي للسلطة بل ان مجرد إقامة الانتخابات (التي يضمن بنسبة كبيرة فوز من يريد بمقاعدها) هو انتصار سياسي وجماهيري كامل بالنسبة له.
كما أسلفت في مقدمة هذا المقال، فهو لا يطرح حلاً يرى صوابه المطلق ولا يفترض تخويناً مسبقا للأخر. لكن كل ما ارجوه هو أن يتواصل هذا النقاش وينتهي (بعجالة بينة الأسباب) على أسس منطقية تجاوب على سؤال ماذا نفعل مع جبهجية الإنقاذ لنهزمهم دون تخوين مسبق أو أحلام غير واقعية أو رغائب ذاتية تداعب الذات وتهمل الموضوع.
وليبقى حلمنا في سودان خير ديموقراطي منارتنا التي نسير صوبها جميعاً


Comments

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل